الخلاصة
مرّ تاريخ الأدب العربي بعصور أدبية متعددة مترابطة ؛ والعصر الجاهلي – في حساب الزمن – أول عصور التاريخ العربي ، ففي أدبه صفحات فخار ، وفصول مجد ، وضروب من الفروسية ، وفنون من الفتوة ، وفيه ما يحفّز النفوس إلى مكارم الأخلاق ، ويطمح إلى درجات العلا . والشعر الجاهلي لا يقلّ غزارة وسموّاً عما تركه كل شعر في العصور الأخرى وهو " ديوان العرب " الحافظ لأخبارهم وأيامهم وحكمهم المأثورة ؛ به حُفظت الأنساب وعُرفت المآثر والأمجاد والمفاخر والبطولات . وهو الأصل الذي انبثق منه الشعر العربي في العصور كافة ، وأرسى عمود الشعر ، وثبت نظام القصيدة ، وصاغ المعجم الشعري . وقد توارثه الأبناء من الإباء جيلاً بعد جيل ، ورددته الألسنة ووعته العقول . وجيل اليوم هو بأمسّ حاجة إلى استجلاء شخصيات الفرسان والأبطال والمفكرين ليقتبس منها لمحات الفتوّة ومخاتل النجدة ، ومُثُل العزة ، ومفاخر الكرم ، وصحة الحِكَم والأمثال ، ورجاحة التفكير والعقول . غير أن هذا التراث المجيد ، والميراث الخالد ، بحاجة إلى باحثين ، يحيّونه وينقدونه ويصنفون وييسرونه للقراء . من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يمثّل شرحاً لديوان الشعر زهير بن أبي سلمى ، وأبي سُلمى هو ربيعة بن رباح إبن قرة بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور ... بن مضر بن نزار . ولد في بلاد مزينة بنواحي المدينة ، وكان يقيم في الحاجر ( من ديار نجد ) ، واستمر بنوه فيه بعد الإسلام . وهو حكيم الشعراء في الجاهلية ، وأحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء ، وإنما اختُلف في تقديم أحد الثلاثة على صاحبيه . فأما الثلاثة فلا اختلاف فيهم ، وهم امرؤ القيس ، وزهير ، والنابغة الذبياني . نشأ في منازل بني عبد الله بن غطفان وأخواله من بني مزّة الذبيانيين ،